صراع اقتصادي أم ورقة ضغط سياسية؟
في خضم التوترات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، فرضت واشنطن سلسلة من الرسوم الجمركية على السلع الصينية، في محاولة لإعادة التوازن إلى العلاقة التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. هذه الضرائب، التي وُصفت بأنها جزء من "حرب تجارية"، لم تكن مجرد تدابير اقتصادية بحتة، بل حملت أبعادًا سياسية واستراتيجية تهدف إلى كبح النفوذ الصناعي والتكنولوجي المتزايد للصين. ومع تصاعد الردود الصينية بالمثل، دخل الاقتصاد العالمي في حالة من الترقب، وسط تساؤلات حول مدى فعالية هذه السياسات وتأثيرها على الأسواق والشركات والمستهلكين في كلا البلدين.
ماهي اسباب فرض الضرائب؟
1. العجز التجاري الأميركي مع الصين
الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري كبير مع الصين، أي أنها تستورد من الصين أكثر مما تُصدر إليها. فرض الضرائب كان محاولة لتقليل هذا العجز عبر تقليل الواردات الصينية وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات الأميركية داخل السوق
2. سرقة الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا القسري
واشنطن اتهمت بكين منذ سنوات بممارسات غير عادلة، مثل إجبار الشركات الأميركية على نقل تقنياتها كشروط لدخول السوق الصينية، بالإضافة إلى اتهامات بسرقة الملكية الفكرية. الضرائب فُرضت كأداة ضغط لتغيير هذه السياسات.
3. دعم الدولة الصينية للشركات المحلية
الولايات المتحدة ترى أن الصين تمنح دعمًا ضخمًا وغير عادل لشركاتها المحلية، ما يمنحها ميزة تنافسية غير نزيهة في السوق العالمي. الضرائب استُخدمت كوسيلة للحد من هذه المنافسة غير المتكافئة.
4. توازن استراتيجي في وجه صعود الصين
فرض الضرائب لا يقتصر على البعد الاقتصادي فقط، بل له جانب استراتيجي أيضاً، حيث تعتبر واشنطن أن صعود الصين يُشكل تحدياً لمكانتها العالمية. لذلك، تُستخدم الضرائب كجزء من أدوات احتواء النفوذ الصيني المتنامي
5. تحفيز التصنيع المحلي
أحد أهداف إدارة ترامب (التي بدأت هذه الضرائب عام 2018) كان إعادة تنشيط الصناعة الأميركية وجذب الشركات للعودة من الصين إلى الولايات المتحدة، من خلال جعل الاستيراد من الصين أكثر تكلفة.
ماهو رد الصين على الضرائب الأمريكية؟
1. فرض رسوم جمركية مضادة
الصين ردّت على كل جولة من الرسوم الأميركية بفرض رسوم مماثلة على المنتجات الأميركية. شملت هذه الضرائب سلعاً زراعية مثل فول الصويا، اللحوم، السيارات، والطائرات. هذه الخطوة استهدفت بشكل خاص ولايات أميركية تعتمد على التصدير، ما شكّل ضغطاً داخلياً على الإدارة الأميركية.
2. البحث عن أسواق بديلة
لتقليل الاعتماد على السوق الأميركي، كثفت الصين جهودها لتوسيع تجارتها مع دول أخرى، خاصة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، وعززت اتفاقيات تجارية مثل "اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)"
3. دعم الشركات المحلية
بدأت الحكومة الصينية بتقديم دعم أكبر لشركاتها المتضررة من الحرب التجارية، سواء من خلال تخفيضات ضريبية أو تسهيلات ائتمانية، لحمايتها من تأثيرات ارتفاع التكاليف وتباطؤ الصادرات.
4. استخدام أدوات غير جمركية
شملت الردود الصينية أيضاً خطوات غير جمركية مثل تشديد الرقابة على الشركات الأميركية العاملة في الصين، وإصدار تحذيرات للمستهلكين بشأن السفر أو شراء منتجات أميركية.
5. التفاوض والمناورة الدبلوماسية
رغم التصعيد، أبقت الصين الباب مفتوحاً للتفاوض، وشاركت في عدة جولات محادثات مع الولايات المتحدة. وكانت تحاول أن تظهر بمظهر الدولة "العاقلة" أمام المجتمع الدولي لتجنب فقدان الثقة في اقتصادها.
هل يمكن للصين وامريكا الأستغناء عن بعضهما؟
🔁 تشابك اقتصادي عميق
-
الولايات المتحدة تعتمد على السلع الصينية الرخيصة، وخاصة في مجالات الإلكترونيات، الملابس، الأجهزة، والمكونات الصناعية.
-
في المقابل، الصين تعتمد على السوق الأميركي كمصدر مهم لصادراتها، وعلى التكنولوجيا والخبرة الأميركية في بعض القطاعات المتقدمة مثل أشباه الموصلات والطيران.
📉 كلفة الانفصال الاقتصادي عالية
"فك الارتباط" (Decoupling) بين أكبر اقتصادين في العالم سيتطلب تغييرات هائلة في سلاسل الإمداد العالمية، وسيؤدي إلى ارتفاع التكاليف، انخفاض النمو، وتقلّب الأسواق. الشركات الكبرى على الجانبين ستحاول تأخير أو تقليل هذا الانفصال لأطول فترة ممكنة.
🧩 مصالح متبادلة رغم الخلافات
حتى في خضم الحرب التجارية، استمرت محادثات التعاون في مجالات مثل التغير المناخي، الأمن الإقليمي، والأزمات الصحية (مثل جائحة كورونا)، ما يدل على وجود مصالح استراتيجية مشتركة لا يمكن تجاهلها بسهولة.
🚨 لكن... هناك محاولات تدريجية لفك الارتباط
-
الولايات المتحدة بدأت بمحاولة إعادة سلاسل التوريد إلى الداخل أو إلى دول حليفة (ما يُعرف بـ "Friendshoring").
-
الصين من جهتها تسعى إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا والطاقة، وتقليل اعتمادها على الدولار الأميركي في التجارة الدولية.
✅ الخلاصة:
الاستغناء الكامل مستبعد حالياً، لكن الطرفين يسيران بخطى حذرة نحو تقليل الاعتماد المتبادل، خاصة في القطاعات الحساسة. ومع ذلك، حتى مع هذا الاتجاه، ستبقى الروابط الاقتصادية قائمة بدرجة ما لسنوات قادمة.
من هو المتضرر الأكبر؟
الصين: المتضرر الأكبر على المدى القصير
-
الصادرات الصينية إلى أميركا انخفضت، وخصوصًا في القطاعات التي فُرضت عليها رسوم جمركية عالية.
-
قطاع الصناعة الصيني تأثر نتيجة انخفاض الطلب الأميركي، مما أدى إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي.
-
الاستثمار الأجنبي في الصين تراجع بفعل حالة عدم اليقين والمخاطر السياسية المتزايدة.
-
بعض الشركات العالمية نقلت مصانعها من الصين إلى دول أخرى مثل فيتنام والهند لتفادي الرسوم الأميركية.
الولايات المتحدة: الضرر متفرق لكنه ملموس
-
المستهلك الأميركي دفع ثمنًا أعلى نتيجة زيادة الرسوم الجمركية، لأن الشركات عادةً تنقل هذه التكلفة للمستهلك.
-
المزارعون الأميركيون تضرروا بشدة، خصوصًا من الرسوم الصينية المضادة على فول الصويا والمنتجات الزراعية، ما دفع الحكومة الأميركية لتعويضهم بمليارات الدولارات.
-
شركات أميركية تعتمد على مكونات من الصين (مثل آبل) واجهت صعوبات في سلاسل التوريد.
-
التضخم ارتفع جزئيًا بسبب زيادة كلفة المنتجات الصينية
📊 بحسب تقارير اقتصادية:
-
بعض التقديرات تشير إلى أن الحرب التجارية كلّفت الاقتصاد الأميركي أكثر من 300 مليار دولار بحلول عام 2020.
-
الصين شهدت أبطأ نمو اقتصادي لها منذ عقود، لكنها تمكنت من التكيّف تدريجيًا عبر تنويع شركائها التجاريين.
✅ الخلاصة:
-
الصين تأثرت بشكل مباشر وسريع أكثر، لكنها مرنة اقتصادياً وتتحرك بسرعة.
-
الولايات المتحدة تضررت من حيث الاستقرار الاقتصادي وسلاسل الإمداد، ولكنها اقتصادية أضخم وقادرة على الامتصاص.